[خطب الشيخ سامح عبد الحق]
فضل الاستغفار من بين سائر الأذكار
هذا هو
عنوان حديثي مع حضراتكم في هذا اللقاء الطيب المبارك وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت
من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثنا تحت هذه العناصر التالية.
عناصر الخطبة:
أولاً -
مَا مَعْنَى الِاسْتِغْفَارُ؟
ثانياً -
اسْتِغْفَارُ الْأَنْبِيَاءِ.
ثالثاً-
فَضْلُ الِاسْتِغْفَارِ وَآثَارُهُ.
رابعاً - صِيَغُ الِاسْتِغْفَارِ.
فأعيروني
القلوب والأسماع جيداً وأسأل الله أن يرد الأمة إلى الحق رداً جميلاً، إنه ولي ذلك
والقادر عليه.
وإليكم
عنصرنا الأول في هذا اللقاء.
ما معنى الاستغفار؟
الاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله عز وجل بمحو الذنوب، وستر العيوب، ولا بد أن يصاحبَ
هذا الطلبَ إقلاعٌ عَنِ الذنوب والمعاصي. وأما الذي يقول: أستغفرُ اللهَ بلسانِهِ،
وهو مقيم على المعاصي بأفعالِهِ فهو كذَّابٌ لا ينفعه استغفار.
قال الفضيلُ بنُ عِيَاضٍ رحمه الله:
"استغفارٌ بِلَا إقلاع توبة الكذابين"،
فلننظر في حقيقة
استغفارنا، لئلا نكون من الكذابين الذين يستغفرون بألسنتهم، وهم مقيمون على معاصيهم.
استغفار الأنبياء.
استغفار الأنبياء، وهل الأنبياء يُذْنِبون؟
حاشا لله.. فالأنبياء معصومون من الخطأ. إذاً على أي شيء يستغفرون!
الاستغفار
أيها الأحباب: لا يكون من أجل فعل الذنب فحسب، بل يكون أيضا بعد فعل العبادة؛ وذلك
لجبر النقص الذي حدث في العبادة، فربما تصلي لكنَّ خشوعك في الصلاة غير موجود، هذا
الخشوعُ المفقودُ يحتاج منك إلى اسْتِغْفَار، ولذلك حينما ننتهي من الصلاة، فإن
رسولَ الله علمنا أن نقول ثلاثاً قبل أن نتكلم أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر
الله.
استغفار الأنبياء قد قص الله عز وجل علينا عن أنبيائه أنهم كانوا يستغفرون ربهم، ويتوبون إليه، فذكر عن الأبوين عليهما السلام أنهما قالا: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"[الأعراف:23]، وذكر لنا عن نوح عليه السلام أنه قال: "رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [هود:47]، وقال أيضا: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا" [نوح:28]، وذكر عن موسى عليه السلام أنه قال: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [القصص:16]، وقال أيضا: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" [الأعراف:151]، وذكر عن نبيه داود عليه السلام أنه قال: "فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" [ص:24]، وذكر عن نبيه سليمان عليه السلام أنه قال: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" وأمر سيدَ الدنيا محمد صلى الله عليه وسلم بالاستغفار فقال: "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" [محمد:19]، وأمرنا بالاستغفار فقال: "فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ" [فصلت:6].
فضل الاستغفار:
1- سبب في دفع الفقر وجلب زينة الدنيا من المال والولد، وسبب في دفع القحط وجلب الزروع والثمار.
جاء رجلٌ إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدْب والقحط
فأجابه قائلاً: "استغفر الله"، ثم جاءه رجلٌ آخر يشكو الحاجة والفقر فقال
له: "استغفر الله"، ثم جاءه ثالثٌ يشكو قلة الولد فقال له: "استغفر
الله"، فعجب القوم من إجابته فأرشدهم إلى قول الحق جل وعلا: "فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ -بالتوبة عن الكفر والمعاصي- إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا -دائم المغفرة للتائبين- يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا -مطراً متتابعاً يحي البلاد
والعباد وهذا علاج قلة المطر- وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ -وهذا علاج الفقر- وَبَنِينَ -وهذا علاج العقم أو قلة الولد- وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ -بساتين يانعة غير مسرطنة ولا مهرمنة- وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا -ماء عذب حلو المذاق-" [سورة نوح: 12:10]
تأمل إلى هذا الفهم والفقه واليقين في إجابة هذا
الإمام ليس قولاً مجرداً ولا فلسفةً؛ وإنما يقينٌ ومعرفةٌ وتجربةٌ، وتوكلٌ واعتمادٌ
على الله سبحانه وتعالى.
فهل فكرت يوماً
عندما يصيبك همٌ أو غمٌ، أو عندما تقع في مشكلةٍ ومعضلةٍ؛ هل فكرت أن المخرج في رفع
رايات الاستغفار إلى الله عز وجل.
هل عرفنا مثل هذا النهج الذي كان عليه أسلافنا في
واقع حياتهم؟
الخير عند الله
في السماء يمسكه عن الناس لذنوبٍ أحدثوها ولجرائم ارْتكبوها، ولولا شيوخٌ ركَّعٌ، وأطفالٌ
رضَّعٌ، وبهائِمٌ رُتَّعٌ، وأناسٌ يدعون الله عز وجل لَحُرِمَ الناسُ القطرَ من السماء؛ ولَأصيبواْ
بالسنين والجدب؛ ولَأَنزلَ اللهُ عز وجل عليهم السخطَ والعذابَ.
2- من فضائل الاستغفار: سبب في محو الذنوب والآثام.
قال تعالى:"وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" [النساء:110]. وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».
قال أبو بكرٍ رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ"». رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجة والبيهقي، وصححه الألباني.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ آخَر، فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ «اعْمَلْ مَا شِئْتَ». متفق عليه
3- الاستغفار سلاحُك ضدَّ الشيطان
اسمع
للمصطفى والحديث أخرجه الحاكم والطبراني وصححه الذهبي والألباني من حديث أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ
الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا
دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي»
4- وأثرُ رابع عظيم ينتظرك في وقتٍ تنقطع فيه العلاقات وتنعدم فيه الإعانات
والحديث أخرجه الطبراني والبيهقي بسندٍ حسنه الألباني عن الزبير
بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ، فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ
الِاسْتِغْفَارِ».
وأخرج
ابن ماجة والنسائي بسندٍ صحيح أيضاً من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ
اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا».
وستَعْجَبُ
عجباً شديداً من تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العملي للاستغفار والحديث أخرجه أبو داوود
والترمذي والطبراني وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: «إِنْ
كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ،
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»
بل
اسمع للمصطفى وهو يتحدث عن نفسه صلى الله عليه وسلم، والحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَاللَّهِ
إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ
سَبْعِينَ مَرَّةً».
إذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غَفَر اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يصل استغفاره إلى هذا العدد. فكيف
بأمثالنا؟ كيف بنا وقد غرقنا في بحار الشهوات؟ وأسرتنا متاهات الذنوب. إن بعض الناس اليوم إذا قلت له: "استغفر
الله"، قال: يا أخي هو أنا كفرت؟. سبحان الله! أما خطر ببالك ولو للحظة أمر سوء،
أما مرت بك نية غير سليمة، أما تلفظت بكلمة غير مقبولة، أما فعلت فعلاً أما نظرت نظرةً
لا شك أننا كلنا ذاك الرجل المذنب.
استمع لهذا الدعاء الخاشع الذي كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو فيقول:
«اللهُمَّ
اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي
وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا
أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ
مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ».
هل
تذكرت أيها الحبيب أن تستغفر الله في يومك وليلتك مثل هذا العدد؟ وهلَّا تُذكر أهلَكَ
وأصدقاءَكَ وجلساءَكَ بهذا العدد. هذا التطبيق العملي يجعل القلب في ارتباطٍ قوي بالرب
العليّ.
5- من فضائل الاستغفار: دفع العذاب ورفع المصائب،
مصداقاً لقول الله عز وجل: "وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [الأنفال:33].
وقد ورد في معنى ذلك آثار وأحاديث
فيها ضعف لكن المعنى الذي في الآية واضح بَيِّن أن الاستغفار من أسباب رفع العذاب وعدم
نزول نقمة رب الأرباب سبحانه وتعالى.
6- وأثرُ آخر يتعلق بالقلب:
نعم يتعلق بهذا القلب الذي كثرت
فيه في هذا العصر، الظلمات وتكالبت عليه الشبهات، وغشيته الشهوات، وتزينت له المحرمات
وواجهته كثيرٌ من الفتن العظيمة. كيف نحافظ على وضاءته؟ كيف نحسن صيانته؟ أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وحسنه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا
أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ
وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى
تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ" [المطففين: 14].
إذا
كان الحجر قد أثرت فيه الذنوب فما بالك بقطعة اللحم التي في الصدور قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
كَانَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا
بني آدَمَ. أخرجه الترمذي والبيهقي
والطبراني وصححه الألباني.
حقيقة الاستغفار
لكن هذا الاستغفار يحتاج إلى
أن ندرك معانيه وأن نعرف حقيقته فإن الله عز وجل قد قال في سياق الآية القرآنية:
"وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا". قال أهل العلم فيه دليلٌ على
أن الاستغفار المقبول هو الذي يقع به الإقلاع عن الذنب مع استحضار الندم في القلب والاستغفار
باللسان.
وليس
مجرد ذكر هذه الكلمات كما نسمع في أدبار الصلوات أصوات الصفير بحرف السين أس أس ولا
نسمع استغفاراً يستحضره القلب ولا ندرك حقيقة ما نحن فيه من هذه المعاني.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران:135].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني
وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي
ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
صيغ الاستغفار:
عباد الله: هناك ألفاظ للاستغفار وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي للمسلم أن يقولها، منها: قوله: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم»، وقوله: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه»، وقال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن به فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» رواه البخاري
نسأل الله عز وجل دوام المغفرة، والمسامحة
والنجاة من النار، واجعلوا القلوب يقظةً حاضرة، واجعلوا لكل ذنبٍ أو غفلةٍ استغفاراً
وتوبة، فإن الله سبحانه وتعالى يقبل ذلك، ويجعل من وراء ذلك خيراً في تفريج هموم الدنيا،
وتكثير أسباب الرزق فيها، ويجعل من وراء ذلك خيراً في دفع العذاب ورفع المصائب عن المسلمين؛
فإنهم ما استغفروا الله إلا رفع الله عز وجل عنهم البلاء، وكما ورد في الأثر: أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ الْقَدَرَ
لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ قَالَ اللَّهُ
لِقَوْمِ يُونُسَ: "لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ" [يونس: 98] [شرح أصول اعتقاد أهل
السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي4/737]
اللهم
اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وجهلنا وعمدنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما
أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على
كل شيء قدير، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم
والأموات، إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين،
وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم احفظ غائبنا ورده سالما معافى من كل مكروه
وسوء، واحفظ أبناء وبنات المسلمين، اللهم اجعل بلدنا أمنا أمانا، سخاء رخاء، وسائر
بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
شارك الموضوع من خلال التطبيقات بالأسفل 👇
تعليقات
إرسال تعليق